الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (115): {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى ءادَمَ} كأنه لما مدح سبحانه القرآن، وحرض على استعمال التؤدة والرفق في أخذه وعهد على العزيمة بأمره وترك النسيان فيه ضرب حديث آدم مثلًا للنسيان وترك العزيمة. وذكر ابن عطية أن في ذلك مزيد تحذير للنبي صلى الله عليه وسلم عن العجلة وعدم التؤدة لئلا يقع فيما لا ينبغي كما وقع آدم عليه السلام، فالكلام متعلق بقوله تعالى: {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرءان} [طه: 114] إلخ، وقال الزمخشري: هو عطف على {صَرَفْنَا} [طه: 113] عطف القصة على القصة، والتخالف فيه إنشاء وخبرية لا يضر مع أن المقصود بالعطف جواب القسم. وحاصل المعنى عليه صرفنا الوعيد وكررناه لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرًا لكنهم لم يلتفتوا لذلك ونسوه كما لم يلتفت أبوهم إلى الوعيد ونسي العهد إليه. والفائدة في ذلك الإشارة إلى أن مخالفتهم شنشنة أخزمية وأن أساس أمرهم ذلك وعرقهم راسخ فيه، وحكى نحو هذا عن الطبري. وتعقبه ابن عطية بأنه ضعيف لما فيه من الغضاضة من مقام آدم عليه السلام حيث جعلت قصته مثلًا للجاحدين لآيات الله تعالى وهو عليه السلام إنما وقع منه ما وقع بتأويل انتهى، والإنصاف يقضي بحسنه فلا تلتفت إلى ما قيل: إن فيه نظرًا، وقال أبو مسلم: إنه عطف على قوله تعالى: {كذلك نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ} [طه: 99] وليس بذاك، نعم فيه مع ما تقدم إنجاز الموعود في تلك الآية، واستظهر ابن عطية فيه أحد أمرين التعلق بـِ {لا تعجل} [طه: 114] وكونه ابتداءً كلام لا تعلق له بما قبله، وهذا الأخير وإن قدمه في كلامه ناشئ من ضيق العطن كما لا يخفى، والعهد الوصية يقال عهد إليه الملك ووغر إليه وعزم عليه وتقدم إليه إذا أمره ووصاه، والمعهود محذوف يدل عليه ما بعده، واللام واقعة في جواب قسم محذوف أي وأقسم بالله لقد أمرناه ووصيناه {مِن قَبْلُ} أي من قبل هذا الزمان، وقيل: أي من قبل وجود هؤلاء المخالفين. وعن الحسن أي من قبل إنزال القرآن، وقيل: أي من قبل أن يأكل من الشجرة {فَنَسِىَ} العهد ولم يهتم به ولم يشتغل بحفظه حتى غفل عنه، والعتاب جاء من ترك الاهتمام، ومثله عليه السلام يعاتب على مثل ذلك، وعن ابن عباس والحسن أن المراد فترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها فالنسيان مجاز عن الترك والفاء للتعقيب وهو عرفي، وقيل: فصيحة أي لم يهتم به فنسي والمفعول محذوف وهو ما أشرنا إليه، وقيل: المنسي الوعيد بخروج الجنة إن أكل، وقيل قوله تعالى: {إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه: 117] وقيل: الاستدلال على أن النهي عن الجنس دون الشخص، والظاهر ما أشرنا إليه. وقرأ اليماني. والأعمش {فَنَسِىَ} بضم النون وتشديد السين أي نساه الشيطان {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} تصميم رأي وثبات قدم في الأمور، وهذا جار على القولين في النسيان، نعم قيل: إنه أنسب بالثاني وأوفق بسياق الآية على ما ذكرنا أولًا. وروى جماعة عن ابن عباس وقتادة أن المعنى لم نجد له صبرًا عن أكل الشجرة، وعن ابن زيد وجماعة أن المعنى لم نجد له عزمًا على الذنب فإنه عليه السلام أخطأ ولم يتعمد وهو قول من قال: إن النسيان على حقيقته؛ وجاء عن ابن عباس ما يقتضيه، فقد أخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عنه قال: قال لي عمر رضي الله تعالى عنه إن صاحبكم هذا يعني علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه إن ولى زهد ولكني أخشى عجب نفسه أن يذهب به قلت: يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت والله ما نقول: إنه غير ولا بدل ولا أسخط رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام صحبته فقال ولا في بنت أبي جهل وهو يريد أن يخطبها على فاطمة قلت: قال الله تعالى في معصية آدم عليه السلام {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} فصاحبنا لم يعزم على إسخاط رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الخواطر التي لا يقدر أحد دفعها عن نفسه ورا كانت من الفقيه في دين الله تعالى العالم بأمر الله سبحانه فإذا نبه عليها رجع وأناب فقال: يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزًا، لكن لا يخفى عليك أن هذا التفسير غير متبادر ولا كثير المناسبة للمقام. وحاصل لم نجد إلخ عليه أنه نسي فيتكرر مع ما قبله. ثم إن {لَمْ نَجِدْ} إن كان من الوجود العلمي، فله عزمًا مفعولاه قدم الثاني على الأول لكونه ظرفًا وإن كان من الوجود المقابل للعدم كما اختاره بعضهم فله متعلق به قدم على مفعوله لما مر غير مرة أو حذوف وقع حالًا من مفعوله المنكر، والمعنى على هذا ولم نصادف له عزمًا. .تفسير الآية رقم (116): {وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لاِدَمَ} شروع في بيان المعهود وكيفية ظهور نسيانه وفقدان عزمه، {وَإِذْ} منصوب على المفعولية ضمر خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم أي واذكر وقت قولنا للملائكة إلخ. قيل: وهو معطوف على مقدر أي اذكر هذا واذكر إذ قلنا أو من عطف القصة على القصة. وأيًا ما كان فالمراد اذكر ما وقع في ذلك الوقت منا ومنه حتى يتبين لك نسيانه وفقدان عزمه. {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} قد مر الكلام فيه مرارًا {أَبِى} جملة مستأنفة وقعت جوابًا عن سؤال نشأ عن الإخبار بعدم سجوده كأنه قيل: فما باله لم يسجد؟ فقل: {أبى} والإباء الامتناع أو شدته ومفعوله إما محذوف أي أبى السجود كما في قوله تعالى: {أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} [الحجر: 31] أو غير منوي رأسًا بتنزيله منزلة اللازم أي فعل الإباء وأظهره. .تفسير الآية رقم (117): {فَقُلْنَا} عقيب ذلك اعتناءً بنصح آدم عليه السلام {سَوَاء الصراط إِنَّ هَذَا} الذي رأيت منه ما رأيت {عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} أعيد اللام لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار عند الجمهور. وقيل: أعيد للدلالة على أن عداوة اللعين للزوجة أصالة لا تبعًا. وهو على القول بعدم لزوم إعادة الجار في مثله كما ذهب إليه ابن مالك ظاهر. وإما على القول باللزوم فقد قيل في توجيهه. إن كون الشيء لازمًا بحسب القاعدة النحوية لا ينافي قصد إفادة ما يقتضيه المقام. وقد صرح السيد السند في شرح المفتاح في توجيه جعل صاحب المفتاح تنكير التمييز في قوله تعالى: {واشتعل الرأس شَيْبًا} [مريم: 4] لإفادة المبالغة بما يرشد إلى ذلك، ولا يخفى ما في التعبير بزوجك دون حواء من مزيد التنفير والتحذير منه، واختلف في سبب العداوة فقيل مجرد الحسد وهو لعنه الله تعالى ولعن أتباعه أول من حسد، وقيل: كونه شيخًا جاهلًا وكون آدم عليه السلام شابًا عالمًا، والشيخ الجاهل يكون أبدًا عدوًا للشاب العالم بل الجاهل مطلقًا عدو للعالم كذلك كما قيل: وقيل: تنافي الأصلين فإن اللعين خلق من نار وآدم عليه السلام خلق من طين وحواء خلقت منه، وقد ذكر جميع ذلك الإمام الرازي. {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا} أي فلا يكونن سببًا لإخراجكما {مِنَ الجنة} وهذا كناية عن نهيهما عن أن يكونا بحيث يتسبب الشيطان في إخراجهما منها نحو قوله تعالى: {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} [الأعراف: 2] والفاء لترتيب موجب النهي على عداوته لهما أو على الإخبار بها {فتشقى} أي فتتعب تاعب الدنيا وهي لا تكاد تحصى ولا يسلم منها أحد وإسناد ذلك إليه عليه السلام خاصة بعد تعليق الإخراج الموجب له بهما معًا لأصالته في الأمور واستلزام تعبه لتعبها مع ما في ذلك من مراعاة الفواصل على أتم وجه، وقيل: المراد بالشقاء التعب في تحصيل مبادئ المعاش وهو من وظائف الرجال، وأيد هذا بما أخرجه عبد بن حميد. وابن عساكر. وجماعة عن سعيد بن جبير قال: إن آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة استقبله ثور أبلق فقيل له: اعمل عليه فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: هذا ما وعدني ربي {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى} ثم نادى حواء حواء أنت عملت بي هذا فليس من ولد آدم أحد يعمل على ثور إلا قال: حو دخلت عليهم من قبل آدم عليه السلام، وكذا أيد بالآية بعد وفيه تأمل، ولعل القول بالعموم أولى، و{تشقى} يحتمل أن يكون منصوبًا بإضمار أن في جواب النهي، ويحتمل أن يكون مرفوعًا على الاستئناف بتقدير فأنت تشقى، واستبعد هذا بأنه ليس المراد الإخبار عنه بالشقاء بل المراد أن وقع الإخراج حصل ذلك. .تفسير الآية رقم (118): {فتشقى إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى}. .تفسير الآية رقم (119): {وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تضحى} أي ولا تصيبك الشمس يقال: ضحا كسعى وضحى كرضي ضحوًا وضحيًا إذا أصابته الشمس، ويقال ضحا ضحوًا وضحوًا وضحيًا إذا برز لها، وأنشدوا قول عمرو بن أبي ربيعة: وفسر بعضهم ما في الآية بذلك والتفسير الأول مروى عن عكرمة، وأيًا ما كان فالمراد نفى أن يكون بلا كن، والجملة تعليل لما يوجبه النهي فإن اجتماع أسباب الراحة فيها مما يوجب المبالغة في الاهتمام بتحصيل مبادئ البقاء فيها والجد في الانتهاء عما يؤدي إلى الخروج عنها، والعدول عن التصريح بأن له عليه السلام فيها تنعمًا بفنون النعم من المآكل والمشارب وتمتعًا بأصناف الملابس البهية والمساكن المرضية مع أن فيه من الترغيب في البقاء فيها ما لا يخفى إلى ما ذكر من نفي نقائضها التي هي الجوع والعطش والعرى والضحو لتذكير تلك الأمور المنكرة والتنبيه على ما فيها من أنواع الشقوة التي حذره سبحانه عنها ليبالغ في التحامي عن السبب المؤدي إليها، ومعنى {أَن لا تَجُوعَ} إلخ أن لا يصيبه شيء من الأمور الأربعة أصلًا فإن الشبع والري والكسوة والكن قد تحصل بعد عروض أضدادها وليس الأمر فيها كذلك بل كلما وقع فيها شهوة وميل إلى شيء من الأمور المذكورة تمتع به من غير أن يصل إلى حد الضرورة على أن الترغيب قد حصل بما سوغ له من التمتع بجميع ما فيها سوى الشجرة حسا ينطق به قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَاءادَمُ ءادَمَ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} [البقرة: 35] وقد طوى ذكره هاهنا اكتفاءً بذلك واقتصر على ما ذكر من الترغيب المتضمن للترهيب، وقال بعضهم: إن الاقتصار على ما ذكر لما وقع في سؤال آدم عليه السلام فإنه روي أنه لما أمره سبحانه يسكنى الجنة قال إلهي ألي فيها ما آكل ألي فيها ما ألبس ألي فيها ما أشرب ألي فيها ما استظل به فأجيب بما ذكر، وفي القلب من صحة الرواية شيء. ووجه إفراده عليه السلام بما ذكر ما مر آنفًا، وقيل: كونه السائل وكان الظاهر عدم الفصل بين الجوع والظمأ والعري والضحو للتجانس والتقارب إلا أنه عدل عن المناسبة المكشوفة إلى مناسبة أتم منها وهي أن الجوع خلو الباطن والعري خلو الظاهر فكأنه قيل لا يخلو باطنك وظاهرك عما يهمهما، وجمع بين الظمأ المورث حرارة الباطن والبروز للشمس وهو الضحو المورث حرارة الظاهر فكأنه قيل: لا يؤلمك حرارة الباطن والظاهر وذلك الوصل الخفي وهو سر بديع من أسرار البلاغة، وفي الكشف إنما عدل إلى المنزل تنبيهًا على أن الشبع والكسوة أصلان وأن الأخيرين متممان على الترتيب فالامتنان على هذا الوجه أظهر، ولهذا فرق بين الفرينتين فقيل أولًا {إِنَّ ذلك} وثانيًا {إِنَّكَ}، وقد ذكر هذا العلامة الطيبي أيضًا ثم قال: وفي تنسيق المذكورات الأربعة مرتبة هكذا مقدمًا ما هو الأهم فالأهم ثم في جعلها تفصيلًا لمضمون قوله تعالى: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى} [طه: 117] وتكرير لفظة فيها وإخراجها في صيغة النفي مكررة الأداة الإيماء إلى التعريض بأحوال الدنيا وأن لابد من مقاساتها {فِيهَا} لأنها خلقت لذلك وأن الجنة ما خلقت إلا للتنعم ولا يتصور فيها غيره. وفي الانتصاف أن في الآية سريعًا بديعًا من البلاغة يسمى قطع النظير عن النظير، والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم ولو قرن كل بشكله لتوهم المقرونان نعمة واحدة، وقد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديمًا وحديثًا فقال الكندي الأول: فقطع ركوب الجواد عن قوله لخيله: كرى كرة وقطع تبطن الكاعب عن ترشف الكأس مع التناسب وغرضه أن يعدد ملاذه ومفاخره ويكثرها، وتبعه الكندي الآخر فقال: وقد اعترض عليه سيف الدولة إذ قطع الشيء عن نظيره فقال له: إن كنت أخطأت بذلك فقد أخطأ امرؤ القيس بقوله وأنشد البيتين السابقين، وفي الآية سر لذلك أيضًا زائد على ما ذكر وهو قصد تناسب الفواصل اه. وقد يقال في بيتي الأول: إنه جمع بين ركوب الخيل للذة والنزهة وتبطن الكاعب للذة الحاصلة فيهما وجمع بين سبء الزق وقوله لخيله: كرى لما فيهما من الشجاعة، ثم ما ذكر من قصد تناسب الفواصل في الآية ظاهر في أنه لو عدل عن هذا الترتيب لم يحصل ذلك وهو غير مسلم. وقرأ شيبة. ونافع. وحفص. وابن سعدان {إِنَّكَ} بكسر الهمزة. وقرأ الجمهور بفتحها على أن العطف على أن لا تجوع وهو في تأويل مصدر اسم لأن وصحة وقوع ما صدر بأن المفتوحة إسمًا لأن المكسورة المشاركة لها في إفادة التحقيق مع امتناع وقوعها خبرًا لها لما أن المحذور وهو اجتماع حر في التحقيق في مادة واحدة غير موجود فيما نحن فيه لاختلاف مناط التحقيق فيما في حيزها بخلاف ما لو وقعت خبرًا فإن اتحاد المناط حينئذٍ مما لا ريب فيه، وبيانه على ما في إرشاد العقل السليم أن كل واحدة من الأداتين موضوعة لتحقيق مضمون الجملة الحبرية المنعقدة من اسمها وخبرها ولا يخفي أن مرجع خبريتها ما فيها من الحكم وإن مناطه الخبر لا الاسم فمدلول كل منهما تحقيق ثبوت خبرها لاسمها لا ثبوت اسمها في نفسه فاللازم من وقوع الجملة المصدرة بالمفتوحة اسمًا للمكسورة تحقيق ثبوت خبرها لتلك الجملة المؤولة بالمصدر، وأما تحقيق ثبوتها في نفسها فهو مدلول المفتوحة فلا يلزم اجتماع حر في التحقيق في مادة واحدة قطعًا، وإنما لم يجز أن يقال: ان أن زيدًا قائم حق مع اختلاف المناط بل شرطوا الفصل بالخبر كقولنا: إن عندي أن زيدًا قائم حق للتجافي عن صورة الاجتماع، والواو العاطفة وإن كانت نائبة عن المكسورة التي يمتنع دخولها على المفتوحة بلا فصل وقائمة مقامها في إفضاء معناها وإجراء أحكامها على مدخولها لكنها حيث لم تكن حرفًا موضوعًا للتحقيق لم يلزم من دخولها اجتماع حر في التحقيق أصلًا. فالمعنى إن لك عدم الجوع وعدم العرى وعدم الظمأ خلا أنه لم يقتصر على بيان أن الثابت له عدم الظمأ والضحو مطلقًا كما فعل مثله في المعطوف عليه بل قصد بيان أن الثابت له تحقيق عدمهما فوضع موضع الحرف المصدري المحض أن المفيدة له كأنه قيل: إن لك فيها عدم ظمئك على التحقيق انتهى. ويحتاج عليه إلى بيان النكتة في عدم الاقتصار على بيان أن الثابت له عدم الظمأ مطلقًا كما فعل مثله في المعطوف عليه فتأمل ولا تغفل. وقيل: إن الواو وإن كانت نائبة عن إن هنا إلا أنه يلاحظ بعدها {لَكَ} الموجود بعد أن التي نابت عنها فيكون هناك فاصل ولا يمتنع الدخول معه وهو كما ترى، ولا يخفى عليك أن العطف على قراءة الكسر على أن الأولى مع معموليها لا على اسمها ولا كلام في ذلك.
|